أثار انتباهي و إعجابي هذا الموضوع الذي نشرته إحدى المجلات المشهورة ( حراء ) و هو موضوع يناسب و يتلاءم مع ما نحن فيه الآن و ما يجب أن نكون عليه في المستقبل فهذا هو النص الذي يجب أن يقرأ بتأني و نأخذ منه العبرة و الحكمة .
( الأمم التي لا تراجع نفسها بين الفينة و الأخرى ، و لا تنقد نفسها و تقوم أخطاءها و تتثبت من سلوكها للطريق الصحيح ، و ما لم تستفد من عبر التاريخ و تجارب الأجيال السابقة ، فان هذه الأجيال ستتشعب بها الطرق و تختلف بها الاتجاهات و تضيع و تتشتت ، و هذا بالتالي يؤدي إلى تأخر الأمة و يمنع تقدمها و يعرقله )ليت شعري من أين جاءت هذه الجموع الغفيرة ؟ قال قائد المدينة هذا الكلام و قد علت وجهه سحابة سوداء تخفي وراءها من الهموم ما تتهاوى الجبال تحت وطأتها .
كانت مدينة هذا القائد مدينة عظيمة يتعايش أهلها فيما بينهم .... و كان لهذه المدينة طبيعة خلابة ، فقد كانت الأشجار تغطي مساحات كبيرة من أراضيها ، و فيها أنواع و صنوف كثيرة من الأزهار التي تجتذب النحل إليها ... فكثر العسل لدى أهل المدينة حتى صار مصدر رزق لأبنائها ، فما من رب أسرة الا و له عدد من المناحل التي تدر الرزق عليه و على اسرته .
و قد اشتهر عسل هذه المدينة بجودته ، فصار اهل المدن الاخرى يقطعون اليها اشواطا بعيدة لشراء هذا العسل الفاخر .
كل ذلك كان يدور في ذهن هذا القائد و هو ينظر الى جموع العدو المخيمة حول اسوار مدينته ، و المحيطة بها كما يحيط السوار بالمعصم .
و قد شحت مؤن الجيش فخاف هذا القائد من ان تتضعضع همم الجنود امام اعدائهم ، فكان يبحث عن حل لهذه المعضلة قبل ان يفوت الاوان .
و بينما هو في غمرة احزانه ، لاحت له بارقة امل من بين فرج الاحزان فاشرق وجهه لهذا الخاطر الذي الم به و لم يضع لحظة من زمن . فقد امر رجاله ان يجمعوا له اهل المدينة في صعيد واحد لكي يخبرهم بخطته التي ارتاها ، و ما اسرع ما اجتمع اهل المدينة لكي يسمعوا هذا الراي الذي سيطلع عليهم به قائدهم المخضرم
فوقف القائد على تلة مرتفعة صغيرة و قال لاهل مدينته : انكم ترون ما قد الم بنا من احاطة عدونا بمدينتنا ، و اني قد رايت رايا، فاخبروني هل انتم مطيعي فيما ساقوله؟.
فقالوا بصوت واحد : نعم يا سيدنا ، فهات ما عندك فكلنا اذان مصيغة .
- ان جنود المدينة يبذلون ما بوسعهم في سبيل حماية ترابها من ان تدنسه نعال العدو ، و ان مؤنهم قد كادت
تفنى ، فلا اقل من ان نعطيهم ما يسد عوزهم من طعام و سلاح .
فصاح الجميع صيحة واحدة :
- مرنا بما شئت فستجدنا من المطيعين
- انكم ايضا في حاجة للمؤن ، لان مدينتا محاصرة ، و انا لن اطلب من كل رب اسرة اكثر من اناء من العسل ، فلا يوجد بيت في المدينة الا و عنده من العسل الشيء الكثير ، فاذا اجتمع
لدينا كمية كافية ، بعناها و اشترينا بثمنها طعاما و سلاحا للجنود .
وقد نصبنا هاهنا خزانا كبيرا ليضع كل منكم العسل بنفسه دون رقيب عليه .فاني واثق من امانتكم يا ابناء مدينتي الغراء .... و في هذه الاثناء كان هناك رجل يقول في نفسه ومن الذي يراني ان وضعت مكان العسل ماء ... ان اولادي احوج الى ثمن هذا العسل من الجنود ، ثم ان هذه الكمية القليلة من الماء لن تؤثر في هذا الخزان الكبير المملوء عسلا ، و انه ليس الا نقطة في بحر
و لذلك لن افرط في هذا العسل و انا في هذه الحالة من الحاجة و حصار الاعداء و ذهب هذا الرجل و تعمد ان يحمل اناءه قبل غروب الشمس بقليل ، كي يراه الناس و هو يضع العسل ، و في الوقت ذاته كي لا يكتشف احد امره .. اذ ان الظلام بدا ينزل فيلف الكون بعباءته السوداء ، ثم ان هذا الرجل حريص على سمعته بين الناس ، فكيف يفرط بهذا الشيء العظيم ؟ و سكب هذا الرجل الماء في الخزان الكبير و عاد الى بيته فرحا ، لانه حقق اكثر من غاية في نفسه ، فقد راه كثير من اهل مدينته و هو يؤدي واجبه الوطني ، كما انه لم يخسر شيء من العسل .
و مضت عدة ايام على هذا الامر ، و كان قائد المدينة قد اتفق مع جماعة من خارج المدينة كي يوصلوا له كمية العسل هذه الى بر الامان ، لتؤخذ الى المدن الاخرى و يشترى بثمنها الاسلحة و المؤن اللازمة .
و اذا بشعور ذلك الرجل الذي وضع ماء بدل العسل كان سائدا لدى سكان المدينة كلهم .. فقد القى كل واحد منهم
( الأمم التي لا تراجع نفسها بين الفينة و الأخرى ، و لا تنقد نفسها و تقوم أخطاءها و تتثبت من سلوكها للطريق الصحيح ، و ما لم تستفد من عبر التاريخ و تجارب الأجيال السابقة ، فان هذه الأجيال ستتشعب بها الطرق و تختلف بها الاتجاهات و تضيع و تتشتت ، و هذا بالتالي يؤدي إلى تأخر الأمة و يمنع تقدمها و يعرقله )ليت شعري من أين جاءت هذه الجموع الغفيرة ؟ قال قائد المدينة هذا الكلام و قد علت وجهه سحابة سوداء تخفي وراءها من الهموم ما تتهاوى الجبال تحت وطأتها .
كانت مدينة هذا القائد مدينة عظيمة يتعايش أهلها فيما بينهم .... و كان لهذه المدينة طبيعة خلابة ، فقد كانت الأشجار تغطي مساحات كبيرة من أراضيها ، و فيها أنواع و صنوف كثيرة من الأزهار التي تجتذب النحل إليها ... فكثر العسل لدى أهل المدينة حتى صار مصدر رزق لأبنائها ، فما من رب أسرة الا و له عدد من المناحل التي تدر الرزق عليه و على اسرته .
و قد اشتهر عسل هذه المدينة بجودته ، فصار اهل المدن الاخرى يقطعون اليها اشواطا بعيدة لشراء هذا العسل الفاخر .
كل ذلك كان يدور في ذهن هذا القائد و هو ينظر الى جموع العدو المخيمة حول اسوار مدينته ، و المحيطة بها كما يحيط السوار بالمعصم .
و قد شحت مؤن الجيش فخاف هذا القائد من ان تتضعضع همم الجنود امام اعدائهم ، فكان يبحث عن حل لهذه المعضلة قبل ان يفوت الاوان .
و بينما هو في غمرة احزانه ، لاحت له بارقة امل من بين فرج الاحزان فاشرق وجهه لهذا الخاطر الذي الم به و لم يضع لحظة من زمن . فقد امر رجاله ان يجمعوا له اهل المدينة في صعيد واحد لكي يخبرهم بخطته التي ارتاها ، و ما اسرع ما اجتمع اهل المدينة لكي يسمعوا هذا الراي الذي سيطلع عليهم به قائدهم المخضرم
فوقف القائد على تلة مرتفعة صغيرة و قال لاهل مدينته : انكم ترون ما قد الم بنا من احاطة عدونا بمدينتنا ، و اني قد رايت رايا، فاخبروني هل انتم مطيعي فيما ساقوله؟.
فقالوا بصوت واحد : نعم يا سيدنا ، فهات ما عندك فكلنا اذان مصيغة .
- ان جنود المدينة يبذلون ما بوسعهم في سبيل حماية ترابها من ان تدنسه نعال العدو ، و ان مؤنهم قد كادت
تفنى ، فلا اقل من ان نعطيهم ما يسد عوزهم من طعام و سلاح .
فصاح الجميع صيحة واحدة :
- مرنا بما شئت فستجدنا من المطيعين
- انكم ايضا في حاجة للمؤن ، لان مدينتا محاصرة ، و انا لن اطلب من كل رب اسرة اكثر من اناء من العسل ، فلا يوجد بيت في المدينة الا و عنده من العسل الشيء الكثير ، فاذا اجتمع
لدينا كمية كافية ، بعناها و اشترينا بثمنها طعاما و سلاحا للجنود .
وقد نصبنا هاهنا خزانا كبيرا ليضع كل منكم العسل بنفسه دون رقيب عليه .فاني واثق من امانتكم يا ابناء مدينتي الغراء .... و في هذه الاثناء كان هناك رجل يقول في نفسه ومن الذي يراني ان وضعت مكان العسل ماء ... ان اولادي احوج الى ثمن هذا العسل من الجنود ، ثم ان هذه الكمية القليلة من الماء لن تؤثر في هذا الخزان الكبير المملوء عسلا ، و انه ليس الا نقطة في بحر
و لذلك لن افرط في هذا العسل و انا في هذه الحالة من الحاجة و حصار الاعداء و ذهب هذا الرجل و تعمد ان يحمل اناءه قبل غروب الشمس بقليل ، كي يراه الناس و هو يضع العسل ، و في الوقت ذاته كي لا يكتشف احد امره .. اذ ان الظلام بدا ينزل فيلف الكون بعباءته السوداء ، ثم ان هذا الرجل حريص على سمعته بين الناس ، فكيف يفرط بهذا الشيء العظيم ؟ و سكب هذا الرجل الماء في الخزان الكبير و عاد الى بيته فرحا ، لانه حقق اكثر من غاية في نفسه ، فقد راه كثير من اهل مدينته و هو يؤدي واجبه الوطني ، كما انه لم يخسر شيء من العسل .
و مضت عدة ايام على هذا الامر ، و كان قائد المدينة قد اتفق مع جماعة من خارج المدينة كي يوصلوا له كمية العسل هذه الى بر الامان ، لتؤخذ الى المدن الاخرى و يشترى بثمنها الاسلحة و المؤن اللازمة .
و كان كل شيء مرتب له .. فقد بعث هذا القائد رسله الى من سيشتري هذا العسل منهم .
و جاء اليوم الموعود و لم يعرف هذا القائد كيف مضى هذا اليوم ، لان الموعد مع تلك الجماعة كان بعد منتصف الليل . و كان القائد يحاول أن يسابق الزمن تحسبا من هجمة قد اعد لها جيش الأعداء كما بلغه جنوده و حضرت تلك الجماعة ، فأراد زعيمهم التأكد من كمية العسل و نوعه ، فطلب من القائد ان يفتح لهم غطاء ذلك الخزان ، فقال لهم على الرحب و السعة ، فانا موقن ان عسل مدينتا سينال حظوة لديكم .. اقترب القائد من خزان العسل برفقة زعيم الجماعة ... و لكنه حين فتح غطاء الخزان وقف مشدوها و لم ينبس ببنت شفة ، شرد عن العالم الخارجي و غرق في شرود ... و لكنه استيقظ على صوت جنوده ... يا سيدي .. يا سيدي ماذا دهاك ؟ فظل صامتا دون حراك . فاقترب عدد من الجنود و من رجال تلك الجماعة الى فم الخزان فلم يكن حالهم بأحسن من حال القائد فقد كان الخزان مملوء ماء و اذا بشعور ذلك الرجل الذي وضع ماء بدل العسل كان سائدا لدى سكان المدينة كلهم .. فقد القى كل واحد منهم
المسؤولية عن عاتقه اتكالا على حمل الآخرين لها ، و لكن لم يحمل أحدا منهم تلك الأمانة فأفلتت من يدهم جميعا .
و لم يمض ايام على تلك الليلة حتى شدد العدو حصاره على المدينة ، و لم يكن لدى الجنود ما يكفيهم لصد هجماته ... و تداعت أسوار المدينة أمام ضربات العدو ، و سقطت بعد مقاومة يسيرة .. فدخلها العدو و لم يترك فيها حجرا فوق حجر و تراكمت الجثث في شوارع المدينة ، و كانت جثة ذلك الرجل بين تلك الجثث و هو متأبط بيده قطعة من انائه المحطم تحت سنابك الخيل .
و انطوت صفحة من صفحات التاريخ عز فيها أناس و اخلصوا لمبدئهم ، و ذل أناس تخلوا عن اقل ما يطلبه منهم الواجب و العدل و الحق ........
هذا الموضوع يتناول في محتواه عملية الخيانة
والأنانية و الخداع فهي صفات ما ابتلا الله بها قوم الا ذلوا و هزموا .
المشرف العام للمجلة ـ الاستاذ : الزين سيد احمدو انطوت صفحة من صفحات التاريخ عز فيها أناس و اخلصوا لمبدئهم ، و ذل أناس تخلوا عن اقل ما يطلبه منهم الواجب و العدل و الحق ........
هذا الموضوع يتناول في محتواه عملية الخيانة
والأنانية و الخداع فهي صفات ما ابتلا الله بها قوم الا ذلوا و هزموا .
0 comments:
إرسال تعليق